شيرزاد شيخاني: العراق جحيم الله على الأرض.

ئەرک نەبێت، کلیک بکەرە سەر سمبولی فەیسبووک، ئەم بابەتە بنێرە سەر بەشەکەت

منذ الإطاحة بالحكم الملكي وسقوط جيل النجباء المؤسسين للدولة، لم يشهد العراق أمنا وإستقرارا طوال العقود التي تلت مذبحة قصر الرحاب بحق الاسرة الهاشمية. وكأن الله عاقب شعب هذا البلد جراء تلك الجريمة النكراء.. فالإنقلابات العسكرية تتالت الواحدة تلو أخرى. والصراعات العرقية والطائفية والدينية تفاقمت. والأزمات السياسية تواصلت، حتى وصل الأمر الى تسلط دكتاتوريات مقيتة على الحكم. وكانت النتيجة هي نزيف متواصل من الدم وتضحيات جسيمة وصلت الى الملايين من القتلى والجرحى والمعوقين، وملايين أخرى من الهاربين من وطنهم الذي تحول خلال العقود الخمسة الماضية الى جحيم لايطاق.
لحد الآن لايجد المرء سببا مقنعا لقلب الحكم الملكي، حتى لو سلمنا بأن هدف الانقلابيين كان إخراج العراق من قبضة الإستعمار، فما كان ذنب العائلة المالكة التي كانت تملك ولا تحكم وفقا للدستور؟. ثم هل إستطاع الإنقلابيون فعلا من إخراج العراق من تحت أيدي الإحتلال الأجنبي وبناء عراق جديد كما كانوا يذكرون دائما في بياناتهم الرقم واحد، أم أنهم فرطوا بسيادة البلد وخربوها بحيث أصبحت إرادة الدولة في العراق رهينة بيد القوى الدولية والإقليمية، أو تحت أيدي حاكم دكتاتور مستبد قامع للشعب.
كانت الديمقراطية في العهد الملكي في طور التشكل رغم ما إعترتها من شوائب، وكانت الحياة البرلمانية والحكم الدستوري بطريقها الى التثبت، وكانت صراعات الأحزاب المتناحرة لا تخرج عن نطاق العملية الديمقراطية والتنافس الإنتخابي. وكانت الصراعات المذهبية والدينية معدومة، يقابلها إنفتاح حقيقي على تطور المجتمع والتعايش السلمي بين طوائف العراق وأديانه.
فما الذي دفع بعبدالكريم قاسم أن يهدم هذا الصرح الديمقراطي ويأتي بحكم عسكري دكتاتوري الذي غير وجه العراق؟. هل تأثر قاسم بحركة جمال عبدالناصر في مصر، أم أنه كان للمخابرات الأجنبية دورا في إسقاط الحكم الملكي ؟.. فمما يبدو من فترة حكم قاسم أنه كان وطنيا ويحب شعبه، فما الذي دفعه الى الإنقلاب وإسقاط الحكم الديمقراطي في العراق؟.
تساؤلات تفرض نفسها بعد التمعن في دراسة أوضاع العراق لما بعد سقوط الحكم الملكي، وما آلت اليه الأمور من تدمير ممنهج للدولة، وتغذية الصراعات السياسية والمذهبية الى حد إنهيار تام لمؤسسات الدولة كما نشهدها اليوم . فما يحصل اليوم هو نتاج ما زرعه اولئك الأوغاد المغامرون بقدر العراق، وما يجنيه اليوم شعب العراق، هو مناصرته لتلك الإنقلابات العسكرية التي توالت على البلد من قبل قوى وأحزاب متناحرة وصراعاتها البعيدة كل البعد عن مصالح الشعب.
ففي ظل تكالب الأحزاب القومية والطائفية على السلطة بالعراق، سقط عشرات الآلاف من أبناء الوطن في الإنقلابات الدموية، وفي حربي الدكتاتور صدام حسين وقع الملايين من القتلى والجرحى، وحتى بعد إنتهاء الدكتاتورية الصدامية، جاءت الدكتاتورية الطائفية التي أودت بدورها بحياة عشرات الآلاف الآخرين في مواجهات طائفية، والقتل مازال مستمرا تحت نصب الحرية وسط بغداد وفي ساحات وشوارع المدن الأخرى.
كانت الدولة في العهد الملكي في طور تثبيت مؤسساتها، وكانت هناك مشاريع متعددة لتحديثها، وكانت الحياة الديمقراطية وتنافس الأحزاب في أوج حالاتها، وكان السياسيون شرفاء يردعهم دستور متين الأركان من الإنزلاق نحو الفساد والسرقات، وكانت الذمم نظيفة والأيادي بيضاء لا تمتد الى المال العام.
ورغم بقاء بعض هذه المفاهيم في العهد القاسمي، لكن مع ظهور حزب البعث على الساحة السياسية ونجاحه في الإطاحة بالحكم القاسمي تغير كل شيء. أصبحت السلطة مغنما للحزب، والحكم وسيلة للنهب والسلب، وباتت الغاية تبرر الوسيلة. فتم تدمير العراق في ظل صراعات سقيمة مازالت تلقي بظلالها اليوم على الأحزاب السياسية والدينية التي تمارس نفس فعلة حزب البعث في الإستئثار بالسلطة وإعتبارها مغنما وهبة من الله.
أليس غريبا أن تكون البنية التحتية ما قبل ستين سنة أفضل بكثير عما هي عليه اليوم.. فبرغم أن ميزانية الدولة تتجاوز مائة مليار دولار سنويا، لكن المواطن لايجد ماءا صالحا للشرب، ولا كهرباء يدفيء به منزله، ولا حتى قوتا يدفع الجوع عن أطفاله. والمتخرج لا يجد وظيفة شريفة يبني بها مستقبله، شعب ضائع بين صراعات أحزاب طائفية وحكم المحاصصات البغيضة، وتسلط نخبة سياسية مصلحية. ونظام مهزوز أكثر قادته عملاء لدول الجوار!.. وبات الشعب جائعا في دولة تعوم على بحر من النفط؟!
وكما قال المفكر الكبير نعوم جومسكي” لا يوجد شئ اسمه بلد فقير، يوجد فقط نظام فاشل في ادارة موارد البلد” وهذه حكمة تنطبق على جميع الأحزاب والقيادات التي تسلمت الحكم في عراق ما بعد سقوط الحكم الملكي. نعم كل الأنظمة التي توالت على العراق لم تستطع أن تستثمر موارد الدولة لبناء إقتصاد عراقي متين.
كانت أمام العراق فرصته الأولى لكي يتحول الى دولة محترمة عالميا عبر النهضة الكبيرة التي حققها في ما بعد منتصف السبعينيات في مجالات الصحة والتعليم والإعمار والبناء، لكن ظهور الجمهورية الإسلامية في إيران وخطرها في تصدير ثورتها الى دول المنطقة، وتحرك الأجهزة الإستخبارية الغربية والإقليمية لتهيئة صدام حسين لتسلم الحكم ومواجهة ذلك الخطر عبر اعلان الحرب ضد ايران، أدى ذلك الى تراجع وتيرة التنمية مما وفي النهاية الى تدمير البنية التحتية للعراق الناهض وإفلاس الدولة مما دفع بدكتاتور العراق الى خوض مغامرة اخرى للإستيلاء على دولة الكويت لتعويض خسائره بالحرب، ونتج عن ذلك أيضا كارثة الحصار الإقتصادي، ثم سقوط ذلك النظام نتيجة الضعف.
بعد سقوط نظام صدام كانت الفرصة الثانية متاحة أمام الشعب العراقي لكي ينهي مأساته مع مغامرات الأنظمة الحاكمة، خصوصا بعد أن وعدت أمريكا المحتلة بإستحداث نظام ديمقراطي منتخب من الشعب، لكن جري الشعب وراء أحزاب دينية وطائفية، وإنخداعه بشعارات زائفة لهذه الاحزاب، وظنه بأن هؤلاء مرسلون من الله لإنقاذهم، أدى بالمحصلة الى تكرار نموذج الدكتاتورية الحزبية الفاسدة ما أدى الى إستمرار الكوارث من حيث الحرب الطائفية البغيضة بين السنة والشيعة والقتل على الهوية بين أعوام 2005-2008، وإستشراء الفساد بشكل غير مسبوق في مؤسسات الدولة كافة. حيث هناك اليوم تقارير موثقة تتحدث عن سرقة أكثر من 450 مليار دولار من ميزانية الدولة العراقية منذ الإطاحة بنظام صدام حسين، وإذا وزعنا هذا المبلغ على عدد القادة السياسيين الذين تولوا حكم العراق خلال الفترة المنصرمة، سنجد بأن كل سياسي جاء الى الحكم أخذ نصيبا وافرا بالمليارات من المال العام، وهذا يؤكد لنا بأنهم فعلا ” نظام فاشل في إدارة موارد البلد”.
الحصيلة المؤلمة لكل ماحصل بعد سقوط النظام الديمقراطي الملكي في العراق، أن العراقيين دفعوا ثمنا غاليا من أرواح أبنائهم بسبب الإنقلابات العسكرية، وثم جراء الحروب العبثية التي لم تنته لحد اليوم، من حرب إيران الى حرب الكويت، ثم الحرب ضد الإرهاب، والحرب التي يخوضها النظام حاليا ضد المتظاهرين في ساحات وشوارع العراق.
ترى أما آن الأوان لهذا الشعب أن يستريح ؟!.
ألم يحن الوقت لوقف النزيف الدامي من جسد العراق؟!.

ئەرک نەبێت، کلیک بکەرە سەر سمبولی فەیسبووک، ئەم بابەتە بنێرە سەر بەشەکەت